مرحبا

مدونتي هى انعكاس حالتي المزاجية همومي واحلامي التي لم تظهر للنور بعد
هواياتي ، دموعي التي أخشى أن يراها الآخرون
معاناتي مع نفسي ومع الاخرين




هل لا نزل نفتؤا نذكر فلسطين والعراق والمستضعفين في الأرض من المسلمين؟

حتى لا ننسى في زحمة الحياة..

الثلاثاء، ٤ سبتمبر ٢٠٠٧

المساء



السحب تركض في الفضاء الرحب ركض الخائفين
والشمس تبدو خلفها صفـــراء عاصبة الجبين
والبحر ساجٍ صامــتٌ فيه خشــوع الزاهدين
لكنما عـيناك باهتتان في الأفق البعيــــــد
سلمى ...بماذا تفكرين؟
سلمى ...بماذا تحلمين؟
أرأيت أحلام الطفــــولة تختفي خلف التخوم؟
أم أبصرتْ عيناك أشـــباح الكهولة في الغيوم؟
أم خفتْ أن يأتي الدُّجى الجــاني ولا تأتي النجوم؟
أنا لا أرى ما تلمحين من المشاهد إنما أظلالها في ناظريك
تنم، ياسلمى، عليــك

إني أراك كســــائحٍ في القفر ضل عن الطريق
يرجو صديقاً في الفـلاة، وأين في القفـر الصديق
يهوى البروق وضوءها، ويـخاف تـخدعهُ البروق
بلْ أنت أعـظم حيرة من فــــارسٍ تحت القتام
لا يستطيع الانتــــصار
ولا يطيق الانــــكسار
هذي الهواجـس لم تكن مرســـومة في مقلتيك
فلقـد رأيـتـك في الضحى ورأيته في وجـنتيك
لكن وجدتُك في المساء وضـعت رأسك في يديك
وجلست في عينيك ألغازٌ، وفي النفــس اكتئاب
مــثل اكتئاب العاشقين
سـلمى ...بماذا تفكرين

بالأرض كيف هوت عروش النور عن هضباتها؟
أم بالمروج الخُضرِ ســاد الصمت في جنباتها؟
أم بالعصافـير التي تعـــــدو إلى وكناتها؟
أم بالمـــــــسا؟
إن المســــــــا يخـفي المدائن كالقرى
والكوخ كالقصر المكينْ
الشـوكُ مــــــــــــثلُ الياسمين

لا فـرق عـند الليل بين النهـــر والمستنقع
يخفي ابتسامات الطــــــــروب كأدمع المتوجع
المتوجعِ إن الجــــــمالَ يغــــــيبُ مــــــثل القبح تحت البرقعِ
لـكن لماذا تجـــــــزعـــين على النهار وللدجى
أحــــــــلامه ورغائبه
وســـــــماؤُهُ وكواكبهْ؟
إن كان قد ستر البلاد سهـــولها ووعورها
لم يسلب الزهر الأريج ولا المياة خـــريرها
كلا، ولا منعَ النســـائم في الفضاءِ مسيرُهَا
ما زال في الوَرَقِ الحفيفُ وفي الصَّبَا أنفاسُها
والعـــــــندليب صداحُه
لا ظفــــــــرُهُ وجناحهُ

فاصغي إلى صوت الجداول جارياتٍ في السفوح
واسـتنشـقي الأزهار في الجنات مادامت تفوح
وتمتعي بالشهـب في الأفلاك مادامتْ تلوح
من قـبل أن يأتي زمان كالضباب أو الدخان
لا تبصرين به الغـدير
ولا يلـــذُّ لك الخريرْ

مات النهار ابن الصباح فلا تقولي كيف مات
إن التأمل في الحـــياة يزيد أوجاع الحياة
فدعي الكآبة والأسى واسـترجعي مرح الفتاةْ
قد كان وجهك في الضحى مثل الضحى متهللاً
فيه البشـــاشة والبهاءْ
ليكن كــذلك في المساءْ

المطففون



كنت أموت من الظمأ في ذلك اليوم الحار، ولما كنت بطبعي غير مولع بالمياه الغازية، فقد اتجهت إلى محل لعصير القصب .. حبي الأول الذي أشعر بدهشة لكونه لم يغز العالم بعد، هناك صب لي البائع كوبًا كبيرًا حملته متلمظًا إلى شفتي، لأجد أنه عديم الرائحة والطعم.. فقط له لون كريه يذكرك بحساء القلقاس ...
أصابتني الحيرة .. كم يبلغ هامش الربح في كوب من عصير القصب ؟.. بالتأكيد هو لا يقل عن 80% .. وبالتالي حصل البائع على أربعين من الخمسين قرشًا التي هي ثمن الكوب، فماذا يريد ؟.. ولماذا يجب أن يغش العصير بخلطه بالماء البارد ؟.. لماذا لا يقدم لي سلعة جيدة ويكتفي بأربعين قرشًا بدلاً من ثمانية وأربعين ؟
قلت للرجل غاضبًا إنني لن أتعامل معه مرة أخرى، فهز رأسه في مزيج من الاعتذار الساخر واللامبالاة .. ماذا يخسره لو فقد زبونًا وماذا يكسبه إذا احتفظ به ؟
المهم بالنسبة له أنه أخذ مني هذه المرة وانتهى الأمر، ومحدش حينام جعان .. غدًا يأتي سواي .. هكذا تحول الإيمان بالرزق إلى مبرر للخداع بلا توقف ...
الحقيقة أن فلسفة هذا الموقف تنطبق على كل شيء في حياتنا بدءًا بكوب عصير قصب وانتهاء بسيارة فاخرة أو فيلا في الساحل الشمالي ..
]]]]]]
برغم إنني طبيب، فأنا لا أضع علامة الهلال على زجاج سيارتي لأسباب واضحة .. إن هذا الهلال هو علامة استحلال دمي ومالي لدى أي ميكانيكي أو تاجر أتعامل معه .. ولكم سألني هذا الصنايعي أو ذاك عن مهنتي فأقول (مدرس) أو (مندوب مبيعات) بلهجة عابرة ...
هذا الهلال يوشك أن يكون إعلانًا يقول لهؤلاء: (أنا أحمق .. فاخدعوني).. عندما يتعاملون مع طبيب فهم يتكلفون ذلك الاحترام الممزوج بالسخرية، ويقولون: يا دوك ألف مرة في الساعة .. وهم لا يكفون عن سرقتك .. المهمة التي يدفع سائق التاكسي ثلاثة جنيهات ثمنًا لها يطالبونك أنت بثلاثين من أجلها .. شعارهم هو : هذا رجل ثري .. رزق حلال أرسله الله لنا .. لقد خُلق ليُخدع .. فإن لم نخدعه فمن نخدع إذن ؟
أنا لا أملك عيادة، وبالتالي لا أعتقد أنني أخدع المرضى بأي شكل، ومعظم من أعرفهم من أطباء لا يفعلون ذلك، لكن كل واحد من الحرفيين أو التجار لديه ذخيرة كاملة من القصص عن أطباء نصابين ، وعن (الحاجة) التي كانت تلفظ أنفاسها الأخيرة وبرغم هذا أصر الطبيب على أن يدفعوا نصف مليون من الجنيهات مقدمًا قبل أن يفحصها .. أعرف أن هذه القصص تحدث فنحن لسنا في يوتوبيا ، لكن هذا ليس مبررًا للتعميم، وليس مبررًا للانتقام مني أنا بالذات أو من أول طبيب يطلب عونهم ..
في تصرف هؤلاء غباء لا شك فيه، لأنك لن تطرق بابهم ثانية.. لكنهم ليسوا من أساتذة علم التسويق، ولا يعنيهم في شيء أن تعود أو تذهب للجحيم .. لقد حصلوا على قطعة منك وفروا بها، وفيما عدا هذا هم مؤمنون بالرزق وبأن هناك مغفلاً آخر سوف يأتي غدًا ..
]]]]]]
والغريب أنهم غير مخطئين تمامًا ..
رأيت أكثر من صديق ابتاع أشياء باهظة الثمن لا يحتاج لها عن طريق التسوق بالتلفزيون .. جهاز تخسيس وصابونة تذيب الشحوم وسبراي يزيل أي خدوش من سيارتك .. كنا نعيش قبل صابون إذابة الشحوم، ومن المؤكد أننا سنعيش بعده، لكن الإعلان يقنع الناس إن حياتهم مستحيلة وإنهم يعيشون كالكلاب من دون هذا الصابون ..
جرب صاحبي عبوة كاملة باهظة الثمن من السبراي الذي يعلنون عنه كي يزيل خدشًا عن سيارته، بلا أية نتيجة .. اتصل بالشركة فقالوا له إنه بحاجة لعبوة ثانية لأن سيارته (ميتالك).. ابتاع العبوة الثانية ولم يحدث شيء .. هنا فقط أدرك أنهم نصابون، لكنهم بالتأكيد جمعوا قدرًا لا بأس به من المال، ولن يضيرهم في شيء أن يعرف كل الناس أنهم نصابون .. إنهم الآن يبحثون عن طريقة النصب الجديدة ..
تسأل بائع الفاكهة عن الأسعار فيذكر لك في ثبات أرقامًا تعرف أنها ضعف سعر السوق .. هذا الرجل يرى من الحلال له أن يكسب الضعف بلا حق وأن أخسر أنا الضعف، لمجرد أنه مولع بنفسه ولمجرد أنه هو .. بينما يمكنه أن يشق بطني لو حاولت العكس .. الفارق بين الشطارة في التجارة والسرقة واضح أو يجب أن يكون واضحًا .. تحاول أن تفاصل فيرفض في غلظة وقلة ذوق وتعال .. كأنه يقول لك: ابتعد عني ولا تصدع رأسي .. فلتذهب إلى حيث ألقت ..
تلاحظ أنه لا يبيع تقريبًا منذ الصباح، وإنه من الخير له لو تنازل قليلاً عن جشعه كي يعود ببعض المال لأطفاله، لكنه يفضل أن يموت جوعا على أن يكون سمحًا ..
لا ينكر أحد أن هناك الكثير من التضخم والخلل الاقتصادي في مصر، لكن الجشع يلعب دورًا لا بأس به كذلك .. لا أعني أن الغلاء ظاهرة نفسية، لكن لا تنكر أن بعض السلع غالية لأن الكل يقول إنها غالية .. بعض الأسعار مرتفعة لأن الباعة يقولون إنها مرتفعة ..
هناك كاريكاتور رائع للفنان مصطفى حسين وأحمد رجب يظهر بائع ليمون يعرض بضاعته في علبة فيديو قديمة .... بائع من نمط الأوغاد الذين يجيد الفنان رسمهم ببراعة يرفع حاجب (الاشمئناط) الأيسر ويكلم الزبون قائلاً: "أيوه اللمونة بجنيه .. ما تشوف سعر الفيديو كام ؟"
وقد أقبل الغلاء مضطرًا، لكني – كما في حالة كوب عصير القصب تلك – لا أقبل الغش .. ما دمت قد دفعت ثمن الخدمة فلابد أن أحصل على مقابل لها .. دفعت ثمن اللحم كاملاً فما معنى أن أنال بضعة كيلوجرامات من الدهن والشغت ؟.. المشكلة أن هذه صارت القاعدة في مصر .. أنت لا تنال مقابل مالك أبدًا .. أنبوب معجون الأسنان أو الحلاقة ينتهي بعد ضغطتين لأنه يحوي فقاعة هواء عملاقة، وكأن صانعيه يحسبون أنهم يعبئون اسطوانات أكسجين .. كل طبيب يعرف معجزات الدواء المغشوش وكيف يشرب المريض زجاجة دواء سعال كاملة فلا يهدأ السعال لحظة، وكيف يبتلع علبة أقراص كاملة فلا تنخفض حرارته درجة، بينما نفس الدواء المستورد يصنع الأعاجيب .. كل طبيب يعرف (المقويات) ومضادات التأكسد التي تلتهم ميزانية المريض لأن ذرات جسده تزيد الكترونًا .. حتى أثناء كتابة هذا المقال اكتشفت أن حبارة الطابعة المعبأة في مصر قد فرغت .. أنا متأكد من أنني لم أطبع سوى خمسين صفحة وإن كنت عاجزًا عن إثبات ذلك .. إذن الصفحة الواحدة كلفتني جنيهين ... سأنهض لأغسل يدي بصابونة ينكمش حجمها في كل مرة أبتاعها فيها .. أشرب كوب شاي أضافوا له البيكربونات ليبدو غامقًا، ثم أبتلع قرصين من علاج الضغط الذي لا نفع منه، والذي يشبهه الأطباء بقطع الجبس ..
فإذا صار الغش التجاري والمغالاة دينًا فأنا أطالب هؤلاء بأن يكونوا من أتباعه
المخلصين .. لكنهم (إذا اكتالوا على الناس يستوفون).. دع واحدًَا من هؤلاء يتقاض
ثمن دوائه التالف أو لحمته المشغتة أو عصيره المخلوط بالماء بنقود مزورة ولسوف
يملأ الدنيا صراخًا عن الشرف وكيف انعدم الضمير، و(إنما الأمم الأخلاق ما بقيت)..
يقولها وهو يجرك من قفاك إلى أقرب قسم ..
ما الذي يفعله المزور الذي يطبع النقود على طابعة ليزر ملونة، ويختلف أخلاقيًا عما يفعله هؤلاء ؟.. كلاهما يريد كل شيء مقابل لا شيء .. الحقيقة أنني كلما فكرت في الموضوع ازددت دهشة .. لماذا لا نرحم أنفسنا ؟... وإذا كنا لا ننوي أن نتصرف بتحضر فلماذا لا تتدخل الدولة بحزم ؟ .. لماذا لا تمنع هذا الشلال المتدفق من الغش التجاري والاستغلال الذي لا يتوقف ؟
سؤال آخر: هل تعرف وحياة والدك الطريق لشراء طابعة ليزر ألوان مستعملة بسعر معقول ؟!!!!!
د.أحمد خالد توفيق

أحمد خالد توفيق

تدين وروشنة وسيارات مرسيدس !... أحمدك يا رب !!

التغيرات الاجتماعية التي تراها مصر في الآونة الأخيرة عاصفة وعاتية ومن المحتم أن تلد شيئًا ما .. هناك أشياء لم يكن أحد يجسر على التفكير فيها بها منذ خمسة أو ستة أعوام، واليوم صار الكلام عنها مملاً.. الأمثلة كثيرة ويصعب حصرها، لكن العقل يستحضر من على السطح البرنامج التلفزيوني المذاع على الهواء الذي يتشاجر فيه أبو الفتاة الحامل مع أبي الفتى الذي غرر بها، ولا هدف للبرنامج إلا تقديم نوع مسل من مصارعة الديوك للمشاهدين أثناء تناول العشاء .. المعارك الطائفية تبرز للسطح بوضوح تام ويتم تداولها بلا همس، ويقول أتباع كل دين عن الآخر ما لم تتصوره إلا في كوابيسك .. النقد الصريح جدًا الموجه للحاكم وابنه دون أن يدل هذا على مكسب حقيقي في الحريات .. بل إن الحكومة استغلت هذه الجرأة كالعادة لصالحها، ووضعت المعارضة في خانة معدة لها سلفًا هي خانة (أيها العالم ..كيف لا أكون ديمقراطية وهم يشتمونني بهذه الجرأة دون أن أسحلهم في الشوارع ؟).. والمعارضة متحمسة لا تعرف أنها تلعب دورًا رسم لها من قبل ألا وهو تجميل النظام.. والحقيقة – كما يقول د. جلال أمين - أن هذا التسامح يمكن أن ينقلب على الفور لو عبثت بواحد من مقدسات الحكومة الحقيقية مثل (الكويز) وتصدير الغاز لإسرائيل أو دعوت إلى عصيان مدني وهو الحل الوحيد الممكن لإسقاط النظام .. عندها سترى أنياب الدولة الحقيقية ..
واحدًا تلو الآخر يتهاوى أحد التابوهات السابقة. يقول الزميل مؤمن المحمدي في مقال له بالدستور: "عندما يغني اللنبي ( وقف الخلق) وهو ثمل فإنه يخرق اثنين من المقدسات: الأغاني الوطنية وأم كلثوم التي اعتدنا أن نعتبرها مصر بشكل ما .. "
لكن التغيير الذي وجدته فاحشًا ويهدم الكثير من المسلمات عندي هو هذا (الفجر) – بضم الفاء – الذي تتعامل به الإعلانات التلفزيونية هذا العام ..
في دراسة ممتعة في (الإيكونوميست) قرأت عن تجربة قام بها أحد أساتذة سيكولوجية الإعلان الذي قال إن هناك طريقتين للإقناع .. الطريقة ألفا التي تقوم على ترغيبك في السلعة، والطريقة جاما التي تقوم على إزالة مقاومتك .. الإغراق مهم جدًا للطريقة جاما .. دعك من التظاهر بالدقة .. عندما أرسل هذا العالم تلاميذه يتسولون خمسة دولارات لم ينل أحدهم شيئًا، بينما عندما تسولوا سبعة دولارات ونصفًا حصلوا عليها !... إن مبلغ سبعة دولارات ونصف معقد لا يسمح بالتفكير ويزيل بالتالي مقاومتك غير الشعورية .. هذا يفسر الـ 19.99 الشهيرة في أسعار السلع ، ويبدو أن سيكولوجية الإعلان عندنا تلعب على الطريقة جاما لكنها كي تهدم مقاومتك تحاول تسفيه ما كنت تؤمن به من قبل .. أنت كنت مخدوعًا واهمًا .. فلتفق وتشتر سلعتنا ..
منذ زمن بعيد وقيمة الكفاح والعمل معنى مقدس لا يمكن المساس به، لكن إعلانات التلفزيون اخترقت هذا التابو ببساطة .. المهندس عباس كافح في تعمير الصحراء عشرين سنة حتى صار شيخًا أصلع مهدمًا واشترى سيارة مرسيدس .. يا له من أحمق !.. بينما الولد الروش فلان أتصل برقم هاتفي من (0900) وعلى الفور حصل على نفس السيارة .. !
هكذا في ثوان سخر الإعلان من قيم الكفاح ومن تعمير الصحراء ومن كل شيء .. لم تعد هناك قيمة في العالم إلا الروشنة والاتصالات ..
بدأ الأمر على استحياء مع بداية الانفتاح في أوائل الثمانينات، عندما سمح التلفزيون لمظاهرة شعبية بأن تظهر على شاشته .. كانت مظاهرة تردد من حناجر بحت بالهتاف: مش عاوزة سؤال طبعًا مينرال !.. هؤلاء ناس حملوا قلوبهم على أيديهم وودعوا أطفالهم من أجل القضية الوحيدة التي تهم ومن أجلها نضحي بكل مرتخص وغال: المياه المعدنية ..
بعدها رأينا مع هشام سليم كيف أن شرائح البطاطس المقلية هي العامل الوحيد الذي يجمع طبقات الشعب وكل فئاته .. وظهر أحمد السقا الذي يضغط عليه الزبانية ويعذبونه وهو مربوط في قبو مخيف، لكنه مصر على الهتاف من أجل قضيته: حاجة ساقعة ببسي .. ويوشك أن يقول: والله لأموتن عليها ..
الفتى (الروش) يعاني من أن أباه في العيادة طول اليوم لا يفعل شيئًا إلا أن يعد المال .. لكن أنا (مكبر دماغي وبشرب مش عارف إيه كده)..
حتى طريقة نطق الحروف السريعة ذاتها توحي بالاستهتار .. هناك مذيع إعلانات لا أعرف اسمه لكنه دخل هذا المجال مع ظاهرة (طارق نور) في بدايات الانفتاح، ويوشك أن يكون المذيع الأوحد الآن. هو الذي نسمع صوته يقول: (أمييير كرارة) في البرنامج الشهير .. هذا الصوت الرفيع المنبهر دائمًا يعبر أصدق تعبير عن السعار الاستهلاكي الذي أدخلنا فيه السادات، فلو كان لهذا السعار صوت لكان صوته .. الحق نفسك .. وفر فلوسك .. انسف .. جدد .. اشتر الآن ..
المجال الثاني الذي خرقت فيه الإعلانات التابو هو مجال الدين .. هذه ظاهرة ذكية أخرى تستغل (إيمان الروشنة) تلك الظاهرة الجديدة التي تغزو أوساط الشباب .. الشباب الثري أو المستريح يشعر بتأنيب الضمير بين دنيا مغرية ودين يناديه فيتخذ هذا الحل الوسط . اللحية الأنيقة القصيرة والبدلة السوداء والعطر الفاخر والموبايل مع التدين .. هكذا يشعر بأنه جمع بين الدنيا والدين، وهذه الظاهرة هي التي أفرزت الحجاب الذي يُلبس على الجينز أو الثياب الضيقة مع ماكياج كامل يدغدغ في الرجل الشرقي ذكريات عصر الجواري؛ فالفتاة تلبس ما تحب لكنها تضع إصبعيها في عين من يجرؤ على أن يطالبها بالحجاب الصحيح.. ولو لم تجد لها مكانًا محجوزًا في الجنة فلسوف تندهش بحق. من أفضل ما أفرزته هذه الظاهرة على كل حال ذلك الشاب عمرو خالد الذي هو صورة أنيقة معاصرة للداعية، والذي ينسخ الشباب محاضراته ويتداولونها عبر شبكة الإنترنت ..لم ترحم الإعلانات ظاهرة التدين هذه وقررت أنها مفيدة جدًا .. لقد انتهى عصر صوت محمد الطوخي الوقور المتهدج الذي يقول : وهبة الجزء عشرة جنيهات .. للمرة الأولى نسمع عن حج خمس نجوم وعن إيمان الموبايلات .. هناك إعلان جذاب يسمع فيه الشباب أغنية دينية من الموبايل فيتركون لعب الاسكواش – نشاط الشباب المصري المعتاد – ليلبوا النداء.. وهكذا تصل الرسالة: اشتروا خطوط الموبايل الجديدة واعطوني مالكم كي ننعم جميعًا بلذة الإيمان ومستقبل باهر في حب مصر ..
ماذا يفعلون بك يا وطني ؟.. هل هم شياطين تتحرك طبقًا لخطة مرسومة أم هم مجرد بلهاء متخبطين لا يهمهم إلا الثراء ؟.. لا أدري . لكنني أرى مستقبلاً باسمًا من الشباب الروش الذي يكسب سيارة مرسيدس بالموبايل ويتبادل الأغاني الدينية ويؤمن أن المهندس عباس الذي عمر الصحراء أحمق .. فقط أدعو الله أن يقبض روحي قبل أن أقتنع وأجري أول اتصال برقم (0900) اللعين !

دعاء المحراب