من قصيدة "هجرة" التي أشار من خلالها إلى رغبته في أن يهاجر كما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة.. في المقطع الأول من القصيدة يهاجر الشاعر إلى الشرق الصافي، وتعني هذه الهجرة الروحية إلى أماكن بعيدة مرحلة جديدة في حياة الشاعر
"إلى هناك حيث الطهر والحق والصفاء
أود أن أقود الأجناس البشرية
وأنفذ بها في أعماق الأصل السحيق
حين كانت تتلقى من لدن الرب
وحي السماء بلغة الأرض"
وفي كتاب "الحكم" من ديوانه يربط بين موضوع التسليم بمشيئة الله والتسامح، فيقول:"
من حماقة الإنسان في دنياه
أن يتعصب كل منا لما يراه
إذا كان الإسلام معناه أن لله التسليم
فعلى الإسلام نحيا ونموت نحن أجمعين"
ويقول:"إذا امتحنك القدر، فهو يعلم جيدا لماذا
إنه يريد منك القناعة.
فأطع دونما اعتراض"
من هو جوته؟
ولد يوهان فولفغانغ جوته عام 1749م في فرانكفورت، وكان والده جامعيا مثقفا محبا للعلم والفنون متمسكا بالقيم والأخلاق. أما والدته، فيقال إنه أخذ عنها رحابة الخيال الإبداعي. وقد لفت انتباه أهله ورفاقه ومعلميه في طفولته بذكائه وقدرته الفريدة على الاستيعاب حفظا وإدراكا، وبموهبته المبكرة في الشعر والنثر وسائر الفنون. وحين بلغ الخامسة والعشرين من عمره كتب روايته الشهيرة "آلام فاوست" ومسرحية "ستيلا" وسيرته "من حياتي: شعر وحقيقة". كما نظم قصيدة مديح سماها "نشيد محمد" تضمنت ثناء ومديحا عظيمين للنبي صلى الله عليه وسلم. وقد قام جوته بعدد من الرحلات إلى إيطاليا وسويسرا، بالإضافة إلى رحلات متفرقة في ألمانيا.
أما عن اهتمامه بالإسلام، فلعل السبب في إعجابه الشديد به هو تطابق بعض أفكاره الرئيسة مع معتقداته الشخصية، مما أيقظ في نفسه التعاطف العميق معه. فقد دوَّن عددا من الآيات تكشف عن جوانب من العقيدة الإسلامية كان مهتما بها، كقوله تعالى {بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون}. فلم يكن من قبيل المصادفة أن يدون ترجمة لهذه الآية التي تؤكد أن التقوى والإيمان الحق لا يظهر من خلال الاعتقاد فحسب، بل لا بد أن يثبت وجوده عن طريق أعمال البر والإحسان للآخرين. ومن المواضيع التي استرعت انتباهه، موضوع تبليغ الرسالة الإلهية عن طريق العديد من الرسل إلى مختلف الأمم، إذ لم يكن مستعدا لأن يعترف بالمسيح عليه السلام فقط، وكان كثير الجدل والنقاش مع أصدقائه حول هذا الموضوع. ومن ذلك أيضا ما رآه في هذا الدين من فكرة التسليم، إذ يقول:" إن التفويض والتسليم هما القاعدتان الحقيقيتان لكل دين، وكذلك الخضوع لإرادة عليا تسيطر على مجرى الأمور، ولا نستطيع إدراكها..." كما أعجبه ما رآه في هذا الدين من الجانب إيجابي يميل إلى توكيد الفعل وتوكيد الحياة عن طريق الفعل ورفض الانهزامية والسلبية، ولهذا نراه في كتاب "الخلد" من "الديوان الشرقي" لا يعنيه من بين الذين دخلوا الجنة من المسلمين غير الشهداء الذين قتلوا في سبيل الله، ويفصل القول في وصف جنة الشهداء وصفا دقيقا كالوصف الذي ورد في سورتي الرحمن والواقعة على وجه التخصيص.وقد كان اهتمامه بالإسلام في بادئ الأمر جزءا من تطلع الشباب المثقف لاتخاذ مواقف تتسم بسعة الأفق وعدم التحيز، وتنطوي على تسامح ديني، وانطلاقا من هذه المواقف أخذ يعارض وجهة النظر المسيحية المتشددة التي لم يكن لديها الاستعداد للاعتراف إلا بدين واحد. أما عن دراسته العميقة للقرآن، فقد كانت نابعة من ظمئه الشديد للتعرف على الدين الصحيح، إذ تشهد سيرة حياته على أنه منذ صباه كان يفتش عن ديانة تناسبه. ولا ريب في أن أحد الأسباب لإكبار جوته للقرآن كان يكمن في إحساسه بقيمته اللغوية، ويعبر عن رأيه في أسلوب القرآن: "إن أسلوب القرآن.. محكم، سام، مثير للدهشة وفي مواضع عديدة يبلغ قمة السمو حقا." ومن العجيب أنه يصف القرآن بهذا الإطراء وهو لم يقرأه إلا بالألمانية واللاتينية!!! فماذا كان سيقول لو قرأه بالعربية؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق